(( الْبَرَدْ وَ الْدُّفْىَءَ ))

بَدَأَ الْبَرْدِ يَلِجُ مِنْ لَحْمِيْ
وَيَصِلُ حَتَّىَ عِظَامِيَ

كَمْ مِنْ شِتَاءِ أَتَىَ
وَكَمْ شِتَاءٍ مَضَىْ خِلَالَ عُمْرِيِ الْفَانِيَ

وَأَنَا كَمْا أَنَا أَلْتَمِسُ الْدُّفْىَءَ مِنْ مِعْطَفَا أَرتديّهُ
أَوْ نَارٍ أَوْقَدَهَا بَيْنَ أَقْدَامِيْ

كَمْ أُحِبُ الْشِّتَاءِ حِيْنَ يَأْتِيَ
فَفِيْهِ ضَمَمْتُكِ كَثِيْرَا حِيْنَ الْبَرْدُ أَرْعَشَ كَيَانِيْ

فِيْهِ أَيْضا أَحْبَبْتُكِ بِعَدَدِ قَطَرَاتِ الْمَطَرِ
الَّذِيْ غَسَلَ أَحْزَانَيْ

فَأَنَا لَا انَزَوِيَّ تَحْتَ رَبْوَةٍ
أَوْ سَقْفٍ يُظِلُّنِي مِنْ مِيَاهِهِ الَّتِيْ تَغْشَانِيْ

الْبَرْقَ حِيْنَ يَأْتِيَ كُنْتُ قَبْلِهِ اطْرِبْ لَصَوْتُ الْرَّعْدُ
الَّذِيْ أَرْهِفِ آذَانِيْ

وَبِلَمْحِ الْبَرْقَ أُشْعِلُ شُمُوْعَ الْحُبِّ
الَّتِيْ تُنِيْرُ دُرُوْبَ الْأَمَانِيِّ

عِنْدَ الْفَجْرِ وَمَعَ انْطِفَاءِ الْشُّمُوْعِ
أَدْرَكَ بِأَنِّيَ تَائِهَا بِلَا عُنْوَانِيِ

الْأَمَانِيِّ لَا تُعْمَرُ كَثِيْرا
فَهِيَ امْتِدَادِ لِضَوْءِ يَنْتَهِيَ عِنْدَ أَوَّلِ نَفْخَةٌ
عَلَىَ لِلَّهِبِ الْشُّمُوْعِ مِنْ فَمِكَ الْجَانِيْ

اشْعُرُ بِالَبَرِدَ حَقّا
لَكِنْ أَيْنَ مِعْطَفِيْ؟
أَنَا لَمْ أَقْتَنِي مِعْطَفَا يَوْمَا
مُنْذُ أَنْ اتَّخَذْتُ صَدْرَكَ مِعْطَفَا ثَانِيَ

أَنَا لَمْ أَكُنْ أَلْجِئْ لِلْنَّارِ يَوْمَا لِتُدْفِئَني
نَارِ حُبِّكَ كَانَتْ كَفِيْلَةً بِأَنَّ تَسْرِيْ بِالْدِّفْءِ أَوْصَالِيْ

لَمْ تُمْطِرُ بَعْدَ وَمَعَ هَذَا الْبَرْدِ يُسَابِقُ نَفْسِهِ
لِّلْوُصُوْلْ إِلَىَ أَحْضَانِيْ

يَلُمْنِي بِقَسْوَةٍ فَيَرْعَشُ جَسَدِيْ الْمُنْهَكِ
مِنْ فَرَاقِكْ الَّذِيْ احْتَوَانِيَ

مِنَ أَبَاحَ الْظُلَمِ فِيْ حَيَاتِيْ
وَاسْتَعْذَبَ آَهَاتِيَ
وَلَحْنْهَا لِتَعْزِفَ بِهَا الْأَغَانِيَّ

أَنَا إِنْسَانٌ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْسَّعَادَةِ
فَلَمَّا مَنَّ تَدَّعِيَ أَنَّهَا تُحِبُّنِيْ تَجْفَانِيّ

لِمَا تُشَرِّعُ الْقَوَانِيْنِ كَيْفَمَا تَشْتَهِيْ
وَتُسَوِّقُ الْأَدِلَّةِ الَّتِيْ تُدْنِّينَنِيّ ظُلْمَا وَعُدْوَانِيّ

إِلَا يَكْفِيَ بِأَنَّهَا أُوْثِقَتْ وَثَاقِيْ
بِأَغْلالٍ حُبَّهَا وَشَدَتْ لِجَامِيَ

وَحَرَّكَتْنِي كَأَحْجَارِ الْشِّطْرَنْجِ
عَلَىَ رُقْعَةٍ الْحَيَاةِ كَيْفَمَا تُحِبُّ تَرَانِيْ

تَارَةً أُكَوِّنُ مُلَكَا شَامِخَا
حَوْلِيَّ جُنُوْدِيَ وَ وَزَيْرٍ وَفَيلَينَ وَقَلَعَتَينَ
تَحْمِيْ أَرْكَانِيْ

وَتَارَةً أَنَا جُنْدِيٍّ اخْرُجْ مِنْ لُعْبَةِ الْحَيَاةِ
ذَلِيْلٌ اجْرَ الْخَيْبَةِ الَّتِيْ تَغْشَانِيْ

مَرَارَةَ الْحَيَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ فِيْ شَرْعِهَا
كُلَّمَا انْتَهَيْتَ مِنْ كُؤُوْسِ ظَلَمَهَا
اتَّبَعْتَنِي بِكَأْسٍ ثَانِيَ

هِيَ الْعَدَالَةُ فِيْ شَرْعِ الْسَّمَاءِ
فَأَنَا كَثِيْرَا مَا تَجَاهَلْتَ أَمِيْرَاتٌ حُبِّهِنَّ أَتَانِيَ

وَسَحَقَتْ أَحْلَامْ الْنِّسَاءِ الَّلاتِيْ
وَ هَبْنَّنِيّ حُبّا صَادقا نَرْجِسِيّ أَنَا بَلْ أَنَانِيَّ

لَيْتَ الْتَّارِيْخِ يُعِيْدُ نَفْسَهُ
سَأُحِبُّ كُلُّ الْنِّسَاءِ وَلَا أُبَالِي
وَمَنْ قَسْوَةً تَجَاهُلِيَ تُعَانِيْ

وَتَبْقَىَ تِلْكَ أَمَانِيْ لَا حَقِيْقَةَ فِيْهَا
مُنْذُ مَتَىَ تَحَقَّقَتْ فِيْ حَيَاتِيْ
الْأَمَانِيِّ

نَسِيْتُ الْبَرْدِ قَلِيْلا لِأَنِّيَ تَذَكَّرْتُهَا
أَتَرَوْنَ كَيْفَ أَنَا غَدَوْتَ فِيْ ظَرْفِ ثَوَانِيِ؟

مَازِلْتُ فِيْ أَثَرِهَا ابَحْثَ عَنْ الْدُّفْىَءَ
الَّذِيْ يَطْلُبُهُ وِجْدَانِيْ

لَا نَارُ لَا شَمْسُ تُدْفِئُنِيْ
فَقَطْ مَا بَيْنَ نُحَرِّكَ وَصَدَرُكَ
سَأُغْمِضُ أَجْفَانِيَ

لِأَنِّيَ هُنَاكَ فَقَطْ أُدْرِكُ حَقِيْقَةِ لَا تَقْبَلُ الشَّكَّ

الْبَرَدِ وَالْدِّفْءُ نَقِيَّضَانِ
عَلَىَ صَدْرِكَ يَأْتَلِفانِ

(( الْمَلِكُ ))