الثلاثاء , أبريل 30 2024

(( أنثـى الدمــــار ))

 

في يوما من أيام الزمان ؛ اجتمعوا القسوة والعقاب والدمار والخراب وبعض من السحاب وكان من بين الحضور أيضا الذئاب والكلاب ؛ و أيضا من بين الذين حضروا ولكن دون دعوة ( الحب والوفاء والرحمة والفضيلة ) وجمع غير معلوم من بعض الخصال التي آتت على استحياء ولمجرد الاستماع والاستمتاع

كان هذا الحضور قد تم بناء على دعوة من أنثى الدمار

التي أبت إلا أن تخطب بالحضور

عن بعض الأمور

فلنتابع أحداث ما جرى هناك

 

 

 

(( المشهد الأول ))

أنثى تخطب عن الرحمة

وتنذر القسوة بالعقاب

وحولها تصفق الذئاب

قالوا

فلتحيا هذه الأنثى

التي تسخر من طباع البشر

وتمجد شريعة الغاب

ثم تطرقت إلى الإخلاص والوفاء

فزمجرت من خطبتها الكلاب

قالوا عجبا عن الوفاء تتحدث

وهي من اغتالته ببرود أعصاب

ثم حذرت من الجفاف والجدب

وألقت اللوم على السحاب

فبكت السحب من ظلمها

وقالت من ظلمك منعنا أن نمطر

على أرض وطأت منها التراب

ونزهت نفسها من أي ذنب

أحاق بالأرض الخراب

فصاح الدمار معترضا

وكذلك نطق بالاعتراض الخراب

قالوا منك رضعنا

وفي مدرستك تعلمنا

فلا تلقي علينا اللوم والعتاب

ما كنا لنعث في الأرض فسادا

لو لا أنك مهدت لنا الأسباب

فأنت ملهمتنا ورمزا لنا

هذه الحقيقة

وما عن الحضور قد غاب

 

 

(( المشهد الثاني ))

تجاهلت اعتراضات الجميع

ومضت في غيها دون أن تكترث

لصرخات الاستهجان والسباب

لكن

و

فجأة صرخ

الحب ممثلا عن نفسه قائلا :-


هذه الأنثى لا ترى الجمال

في طائر السنونو لكنها تراه في الغراب

تغريد الطيور عندها نشاز

وإن نعق الغراب

طربت شدوا لنعيق الغراب

أن منحتك وعودا ومواثيقا وعهودا

فثق بأنك قد أخذت السراب

أن وهبتك حبا وعشقا

ستكتشف عند الفجر

بأنك مغفل تجمع الضباب

صدقوني أيها الحضور

لقد عايشت حياة سيدة الجمال

على مر العصور

عايشت كيف أحبها ملك

وهبها الحب كله

وأصدق الشعور

مزج لها دمع العين برحيق الشفتين

وسقاها بشغف وهمهمة النشوة

وكواعب على صدره تدور

فأصبح لا يرى في الدنيا أنثى غيرها

فتهامس البعض من خلفه

( إنه رجل مسحور )

كانت الليالي تبكي لأجله

حين يضم وسادته

ويناديها بألحان الهوى وزقزقة الطيور

وحين يتنفس الفجر

يلقى رحاله على البحر

ويمد جسده المرهق على الرمال

ويتوسد الصخور

جسدا ميت تركته

من بعد أن امتصت دمائه

وتركت حياته تفسد وتبور

لا تصدقوها

فأن التاريخ لم يولد مجرمة مثلها

وسألوا يوما ذاك الرجل الذي أصبح

ميت الإحساس والشعور

 

 


(( المشهد الثالث ))

بلبله بين الحضور

همسات هنا وهناك

لا تكاد تفهم ما بينهم يدور

قاطعتهم صوت الفضيلة

بنبرة حزينة

قالت :-

إليكم الحقيقة

أنا الفضيلة من اتخذت هذه الأنثى خليلة

توجت نفسي على رأسها

وتدليت على صدرها بأكاليل جميلة

وعشت سنين معها

تخيلتها ديمومة طويلة

وفجأة

نزعتني من فوق رأسها

وتوجت نفسها بالرذيلة

وسحقت أكليل الزهور الجميلة

حين تركت حب الملك

الذي أعطى الحب سنين طويلة

ومضت تراقص الغرباء

وقد تخصروا خاصرتها النحيلة

آآآآآآه لو تدركون

كم هو مؤلم السقوط من القمة إلى القاع

سكتت الفضيلة

حين خنقتها العبرة

فأثرت الصمت على الكلام

 

 

(( المشهد الرابع ))

بكى جميع الحضور

حتى أن القسوة انهارت فجأة

لو لا أن استندت على العقاب

وذهل الدمار وسقط مغشيا عليه الخراب

غير أن أنثى الدمار لم تكترث

وكأن الأمر لا يعنيها

وبكل برود قالت :-

لقد أفسدتم بحديثكم الحضور

سحقا لكم ما كان عليكم أن تحضروا

متطفلين على مائدتي

ألم أطردكم يوما من حياتي

هيا اخرجوا من هذا الجمع

ودعوني أنتشي بنشوة الانتصار

حين سألقن القسوة والعقاب

والدمار والخراب

بعض من طبعي

وسأفك أمامهم طلاسم قسوتي

وسأذبح أمامهم الرحمة

والوفاء بسكين غدري

هيا أخرجوا جميعا

 

 


(( المشهد الخامس ))

استهجان

وصراخ ونكران

الجميع وقفوا صفا واحد

يشجبون أنثى الدمار

ويقذفونها بالأحجار

تنكرت لها كل الصفات و الخصال

حتى السيئة منها ضاق بها الحال

فغادرت المنصة على استعجال

وأختفت خلف الجبال

 

 

 


(( المشهد السادس ))

من بين الحضور

خرج رجلا كان منزويا في أخر الصف

وأتجه إلى حيث كانت أنثى الدمار تقف

كان متلثما بوشاح أحمر

يخفي وجهه عن من حضر

فأزال الوشاح عن وجهه فأشرق القمر

الملك قد حضر

تبسم الحب وكذلك الوفاء فعل

وهللت الفضيلة والرحمة

والحق أعلن النصر

وتقدمت القسوة والعقاب

والدمار والخراب

وانحنت بين يدي الملك

تقدم الاعتذار

عن ما فعلوه في يوم عمت فيه الأبصار

 

 

 

(( المشهد الأخير ))

تقدم الحب من الملك معلنا الولاء

ومعاهدا له بأن يقدم له حب لا يعرف الشقاء

وبأنه سيختار له أعظم وأرق وأجمل النساء

وأشهد على ذلك الوفاء

على استحياء

تقدمت القسوة والعقاب

وخلفهم الدمار يجر الخراب

يستأذنون الرحيل

فهذا هو الوداع الأخير

فلن يراهما أبدا في حياته

فأذن لهم الملك بالرحيل

أسدل الستار

على تراجيديا حقيقية

عاشها إنسان

وسطرها الزمان

بيد مرتعشة البنان

لا يشعر بمكنونها ألا من أتصف

حقا بصفات الأنسان

 

 

 

 

(( الملك ))