(( الحـب الخـالـد ))

 

سَأَقُص عَلَيْكُم الْيَوْم حِكَايَة لَيْسَت أُسَطْوَرِيِّة

بَل هِي حِكَايَة خَالِدَة
تَرَكْت رَمْز يَتَمَثَّل بِتَمَاثِيْل بَلَّوْرِيّة

 


لَيْس كُل شَيْء غَيْر مَأْلُوْف
يَكُوْن كَذَبَة أَو خَيَال كَاتِب
لِيَنَال وِسَام الْإِبْدَاع عَلَى حُرُوْفِه الْمُخْمَلِيَّة

 

لَابُد أَن تُصَدَّقُوْا أَحْدَاثُهَا
حَتَّى وَإِن رَاوَدَتِكُم الْشُّكُوْك
فِي نِهَايَتِهَا الدْرامِيّة

 

هَكَذَا أَنَا .. وَهَكَذَا أَمَلِي عَلَيْكُم شُرُوْطِي


أَو لَسْت صَاحِب الْحُرُوْف ؟
مِن يُجَادِل مُلْك بِمَصِيْر الْرَّعِيَّة ؟

 


كَان يُا مَا كَان فِي سَالِف الْعَصْر وَالْزَّمَان

 


كَان هُنَاك عَاشِقَان
ظَلَمْتُهُم الْحَيَاة بِوِاقَعَها الَّذِي أَفْضَى بِهِمَا
نَحْو حَيَاة بَائِسَة بَيْن جُحُوْد وَنُكْرَان

 


سَرَابِيل و الْمَلِك

 

سَرَابِيل لَيْسَت كَأَي أُنْثَى
فَالَوُصُوْل إِلَيْهَا يَتَطَلَّب إِعَادَة صِيَاغَة
وَاقِع كَامِل آَلَام وَحِرْمَان

 


وَالْمَلَك الَّذِي يَعْشَقُهَا لَيْس مِلْكا
كَمَا يَدَّعِي بَل هُو مُجَرَّد إِنْسَان

 


وَلَكِن الْحُب لَا يَعْتَرِف
بِطَبَقَات أَو ظُرُوْف أَو بُلْدَان

 


عَاش الْحُب وَتَرَعْرَع فِي قَلَبِيْهُم
كَطِفْل تَضِج بِه أَمَال الْأَمْن وَالْأَمَان

 


وَشَهِد عَلَى ذَلِك طُقُوْس غَرَام
وَتَرَاتِيْل عِشْق تُلْهِب الْجَسَد
وَتُقَض مَضَاجِع الْوِجْدَان

 

وَإِحَسَّاس بِالْخُلُوْد لَا يَفْتَأ أَن يُلَازِمْهُم
فِي كُل وَقْت وَمَكَان

 


كِلَاهُمَا ظَنا بِأَن الْحَيَاة لَا تَفْتِك بِهَذَا الْغَرَام
ظُلْما أَو تُرَاوِدُهُم عَلَى الَنْسَيان

 


وَلَكِن مَن يَأْمَن بَطْش الْحَيَاة
إِلَا جَاهِلا بِحَقِيْقَة الْحَيَاة
وَمَا تَحْوِيْه مِن كِتْمَان

 


شَاع الْحُب وَأَصْبَح عَلَى كُل لِسَان
وَتَناقَلَّه الْنِّسَاء وَالْجَوَارِي وَالْغِلْمَان

 


إِلَى أَن انْتَهَى إِلَى مَسَامِع
لِجَنَّة الْفَصْل فِي قَصَص الْعُشَّاق

الَّتِي إِحَالَتُهَا فَوْر لِمَحْكَمَة
الْظُّلْم وَالشَّتَات وُالْحِرْمَان

 


كَان الْقَاضِي و هَيْئَة الْمُحْلِفَيْن
تَضُم أَشْبَاه بَشِّر فِي صُوْر إِنْسَان

 

مَلَامِح قَسْوَة تُعْتَبَر
نَفْسَهَا أَشْجَع الْشُّجْعَان

 


حِيْن يَتَعَلَّق الْأَمْر فِي رَدْم سَعَادَة
لَيْس لَه ذَنْب سِوُى الْبَحْث
عَن الْخُلُوْد وَالْأَمَان

 


اقْتِيْد الْمُتَّهَمَان سَرَابِيل وَالْمَلَك
و هُو يُمْسِك يَدَهَا بِاطْمِئْنَان

 


رَغْم الْسَّلاسِل وَالْأَغْلَال الَّتِي تَقَيُّدِهِمَا الْآَن

 


وَفِي قَفَص الاتّهّام وَقْفَا
وَقَد اشْرَأَبَّت أَعْنَاقَهُمَا شُمُوْخَا لِلْسَّمَاء

 

فَهُمَا وَإِن كَان فِي ظُرُوُف حَالِكَة سَوْدَاء
إِلَا إِنَّهُمَا مَا كَان لِيَذَرّفا
دَمْعَة خَوْف مِمَّا يُخْفِي لَهُم الْقَضَاء

 


وَبَدَأَت جَلْسَة الْمُحَاكَمَة

 


بَلَائِحَة اتِّهَام مُطَوَّلَة

 


أَسْهَب فِيْهَا الِادِّعَاء فِي شَرْح هَذِه الْمَسْأَلَة

 


قَال :-


أَن سَرَابِيل الْعَاشِقَة
قَد كَسَرْت بُرُوْتُوْكُول حَيَاتِهَا الْمُتْرَفَة

 


فَاخْتَارَت أَن تُحِب رَجُلا مِن الْطَّبَقَة الْمُعْدَمَة

 


وَتَرَكْت الْنُّبَلَاء وَكُل مَن تَمَنَّى يَوْم
أَن تَكُوْن زَوْجَتُه

 


لتَغُوص فِي مَعْمَعَة حَب مُنَمَّقَة
وّمَشّاعِر نَرَاهَا كَاذِبَة مُلَفَّقَة

 


ثُم أَشَار إِلَى الْمَلِك هُنَاك فِي قَفَص الاتّهّام


وَقَال:-


هَذَا الْرَّجُل الَّذِي يَدَّعِي الْغَرَام
مَا هُو إِلَّا تَابِعا لَلِأَوْهَام

 


نَسْه نَفْسِه وَمَن يَكُوْن بَيْن الْأَنَام

 


وَانْه مُجَرَّد إِنْسَان بَائِسَا مُعْدِمَا
أَرَاد لِنَفْسِه مَجْدَا لَيَعْشَق سَرَابِيل مِن نَسْل الْإِكْرَام

 


فِي الْحَيَاة يَجِب أَن يَعْرِف كُل إِنْسَان قِيْمَتَه
فَلَا يَطْمَع الْفَقِيْر بِمَا لَدَى الْسَّادَة الْكِرَام

 


تَنَحْنَح الْقَاضِي قَبْل أَن يُوَاجِه الْمُتَّهَمَان
بَلَائِحَة الاتِّهَام

سَرَابِيل وَالْمَلَك
اعْتَرَفَا بِالْحُب أَمَام هَيْئَة الْمُحْلِفَيْن

 


وَأَصَرَّا عَلَى الْغَرَام
مُهِمَّا كَان الْعِقَاب
الَّذِي سَيُصْدِر بَعْد قَلِيْل

وَأُشْعِل الْمُحْكَمَة ضَجِيْجَا
بِقُبْلَة طَوِيْلَة وَبُكَاء وَعَوِيْل

قَبْل أَن يَتَدَخَّل الْقَاضِي
بِحُكْمِه الَّذِي نَص
عَلَى الْفِرَاق بَيْنَهُمَا بِقَتْل الْمَلِك
و مَنَح سَرَابِيل فُرْصَة لِلْتَّوْبَة مِن ذَنْبِهَا الْعَظِيْم

وَمَا أَن هَم بِرَفْع الْجَلْسَة
وَإِعْلَان نِهَايَة الْمُحْكَمَة بِحُكْمِه الْأَخِير

حَدَث شَي مَا

 


لَفَت هَالَة ضَوْئِيَّة سَرَابِيل وَالْمَلَك
لِتَنْجَلِي فَجْأَة

 


عَلَى تِمْثَالَيْن مِن كْرِيْسْتَال
لبَجَعَتَين جَمِيْلَتَيْن

 


يُضَمّا بَعْضُهُمَا كَنِهَايَة عَادِلَة لِعَاشِقَيْن

 


سَرَابِيل وَالْمَلَك أَصْبَح بَجَعَتَين

 


لِتَأْتِي دُمُوْع الْحُضُوْر
عَلَى رَتَن بُكَاء وَعَطْفَا وَذُهُول

 


إِدْرَاكَا أَخِيْرا أَن حُبِّهِمَا مَخْلَد
لَم يَعْتَرِف بِمَكَان أَو جَاه أَو فُصُوْل

 


رُفِعَت جَلْسَة الْمُحْكَمَة الَّتِي بَدَأَت بِالْقَسْوَة
وَانْتَهَت بِإِحْسَاس حُبّا يَغْمُر الْحُضُوْر

 

لَم تَنْعَقِد أَي مُحْكَمَة أُخْرَى بَعْدَهَا
لِعِقَاب أَي عَاشِقَيْن حَتَّى كِتَابَة هَذِه الْسُّطُوْر

 

صَحِيْح أَن الثَّمَن كَان غَالِيَا
لَكِن سَرَابِيل وَالْمَلَك
أَصْبَحَا رَمْزا لِخُلُود الْحُب عَلَى مَر الْعُصُوْر

 


الْتِّمْثَالَيْن مَازَال مَوْجُوْدَان حَتَّى أَلَان

 


صَحِيْح لَا احَد يَعْرِف مَكَانِهِمَا

وَلَكِنِّي حُصِّلَت عَلَى صُوْرَة لَهُمَا

 


أَضَعُهَا لَكُم هُنَا

 

حَتَّى لَا يُتَصَوَّر الْبَعْض
بِأَنِّي مُجَرَّد كَاتِب أُبَالِغ فِيْمَا أَقُوْل

هَذِه الْصُّوَرَة

 

 


وَأَتْرُك لَكُم حَقِيْقَة تَصْدِيْق هَذِه الْحِكَايَة

 


لَا دَاعِي لَأَن اقْسِم عَلَى وَاقِعَا يَفْرِض نَفْسَه

 


هَكَذَا أَنَا و هَكَذَا انْتَهَت الْأُمُور





 


((
الْمَلِك))