كُنْت هُنَاك وَكَانَت هِي أَيْضا
تَنْظُر إِلَي وَأَنَا إِلَيْهَا أَنْظُر
لَا تَنـظَرِي إِلَي هَكَذَا
فَأَنَا اكْرِه أَن أَكُوْن مُنَظِّر جَمِيْلَا تَقـر بِه الْعُيُون
لَسْت لَوَحَة تَّجْرِيْدِيْة مُعَلَّقَة عَلَى جِدَار مُعَرَّض لِلْفُنُون
وَكَأَنِّي الْوَحِيْد هُنَا ؟!
حَوْلِنَا الْكَثِيْر مِمَّا عَن مِثْلُك يَبْحَثُوْن
كُفِّي عَن رُمِي سِهَام لَحْظِك
لَن تَكُوْنِي لَيْلَاي وَلَن أَكُوْن قَيْسُك الْمَجْنُوْن
اعْتَرَف بِأَن عَيْنَاك جَمِيْلَتَان
كأِشْرَاقَة الْشَّمْس عِنْد الْفَجْر
وَشَفَتَان مَرُسُوَمَتَان بِإِتْقَان كاضَفَتا نَّهـر
يَجْرِي بَيْنَهُم رِيْق طَعْمُه كَالْعَسَل
وَالْغُسْل فِيْه طُهـر
وَخَدَّان كَالمَرّج تَوَرَّمَا شُمُوْخَا
وَذَبَحْت عَلَيْه زُهُوْر حُمـر
لَكِنِّي مِن عـفَت الْنِّسَاء
فَبُنِيَت بَيْنِي وَبَيْنَهُن جـُدر
عَلَى مَوَاثِيْق الْحُب أَقْسَمْت الْأَيْمَان وَالْعُهُود
وَاتَّبَعَتْه غَدْرَا وَطَعَن فِي الْوُعُود
وَقَالَت مَا مَضَى لَن يَعُوْد
أَنَا بَاقِي فِي مِحْرَاب حُبِّهَا أَنْتَظِرُهَا
ازْفُر الْآَهَات شَوْقَا وَأُعْلِن الْخُلُوْد
وَازْجُر الْفِرَاق مَتَى أَحَاق بِي
لِسَان حَالِي صَبْرا وَصُمُود
فَأَنَا إِن قُطِعَت عَهْدَا مَات مَعِي
وَمَضَيْنَا سَوِيا نَحْو مَقَابِر وَلُحُود
خَفْفي الْوَطْأ فِي سَاحَات الْغَرَام
لَا تَأْخُذُك الْآَمَال وَالْأَمَانِي
تَرَيِن بِي حُبّا وَارَاك آَخَر أَمَالِي
تُرَاوَدِيْنِي عَن نَّفْسِي لِأَكُوْن حُبَّك الْأَوَّل
وَتُكَوِّنَي حُبّي الْثَّانِي
تَظُنِّيْن بِأَنَّك قَادِرِة عَلَى كَبْح جُنُوْن أَفْعَالِي
كَم حُبّا أُجْهِضَت مِن رَحِم الْقُلُوْب
قَبْل أَن يُوْلَد وَلَا أُبَالِي
كَم أَبْكِيِت الْمُقَل مِن صُبَابَة الْوَجْد بِي
بِقَسْوَة أَقْوَالِي
اسْخَر مِن كُل حُبّا يُحَاوِل أَن يُرِدِي عُشْقِي الْحَالِي
قَلْبِي لَيْس فُنْدُقا تَتَعَدَّد غُرَفِه
لِتُسْكِنَه نِسَاء عَلَى الْتَّوَّالِي
سَأَتْرُكُك لَك هَذَا الْمَكَان
فَمَا عُدْت اشْعُر بِالْأَمَان
فَالرَصَاصّة الَّتِي لَا تُصِيْب تِدْوِش الْأَذَان
وَالخَربَشَة بِالْأَلْوَان تَوَسَّخ الْجُدْرَان
عُذْرَا لَسْت مُتَذَوِّقا لِلْفَن الْتَشْكِيلِي
أَرَاه مُجَرَّد فَضَاوَة إِنْسَان
يُخَرْبِش بِالْفُرْشَاة كَمَا يُرِيْد
لِيَأْتِي مِن يَدَّعِي الْفَهْم قَائِلا :-
( يَا لَه مِن فَنَّان يَرْسُم بِإِتْقَان )
تَبّا لِمَن أَرَادَت يَوْم أَن تُلَوّث طُهْر حُبّي
بِفِرْشَاة و أَلْوَان
أَنَا لَا افْعَل هَذَا لِأَجْلِهَا
فَهِي رَحَلَت خَلْف حُدُوْد الْغَدِر و الْنُّكْرَان
بَل لِأَجْل ذَاتِي الْمُفْعَمَة بِالْوَفَاء الْأَبَدِي بِمَعِيَّة الْأَيْمَان
( مخْرَج مُمِيْت )
أَرَادَت عَقْرَب أَن تَعْبُر الْنَّهْر
فَكَانَت لَا تَعْرِف الْسِّبَاحَة
وَلَيْس لَهَا فِي هَذَا الْأَمْر قُدِّر
فَوَسْوَست لِّضِفْدَع صَغِيْر
يَبْدُو بِالْجِسْم كَبِيْر
أَن يَحْمِلُهَا عَلَى ظَهْرِه وَيُعَبَّر بِهَا الْنَّهْر
لَكِنَّه تَرَدُّد قَائِلا :
طَبْعِك الْغَدْر أَخْشَى أَن يَكُوْن لَك فِي هَذَا أَمْر
قَالَت لَه :
كَيْف افْعَل هَذَا وَأَنْت تَحْمِلُنِي عَلَى ظَهْرِك
سَأُغْرِق مَعَك وسَأَمَوّت بِلَمْح الْبَصَر
فَصَدَّقَهَا الْمِسْكِيْن
وَحَمَلَهَا عَلَى ظَهْرِه وَهُو عَلَى يَقِيْن
بِأَنَّهَا لَن تَغْدُر بِه مَا دَامَت عَلَى ظَهْرِه تَسْتَكِيْن
وَفِي مُنْتَصَف الْنَّهْر
حَرَّكَت إِبْرَتِهَا الْمَلِيْئَة بِالْسُّم
وَغَرَسْتَهَا فِي ظَهْر الضِّفْدَع الْمِسْكِيْن
قَال لَهَا وَهُو يُحْتَضَر :
كَيْف لَك أَن تَقّتُلَيِّنِي
وَأَنْت تُدْرِكِيْن بِأَنَّك نَحْو الْمَوْت سْتَتَّبِعِينَنِي ؟؟
قَالَت :
أَنَسِيْت أَيُّهَا الْمِسْكِيْن أَن الْطَّبْع غَلَب الْتَّطَبُّع
وَغَرَقَا سَوِيّا فِي الْنَّهْر
(( الْمَلِك ))