الإثنين , مايو 6 2024

(( خائن بأمر الحب ))

 

الجزء الثاني
لأقصوصة الشعرية ( الملكة بيسان )

ومضت الأيام
ومشاعر الانتقام
في نفس الملك لا تهدأ ولا تنام
رغم أنه أصبح ملكا ولديه زوجته الجميلة بيسان

ذات مساء وعلى سريره الذهبي
جلس وقد فاضت به مشاعر الانتقام

فإذا بزوجته بيسان تقترب منه قائلة : –
مالي أراك شارد الذهن في خضم بحور الأوهام
ثمة ما يقلقك يا حبيبي ؟



أجابها الملك :-

لا أخفيك سرا فقد بدأت تتنامى لدي رغبة الانتقام
من سرابيل التي أذلت فروسيتي وعبثت بمشاعري
لن يرتاح لي بال إلا بعد أن أذلها
واحتقر ظلها
واهدم مملكتها فوق رأسها

ومثلما بنيت مجدها
بسيفي وفروسيتي وشجاعتي
في خضم معارك خضتها لأجلها

سأهدم عزها
لن ارتاح إلا من بعد أن أوثق قيدها
وأسوقها سبيه لأسرها

قالت بيسان :-
أرجوك يا ملكي .. أنسى الماضي
ودع سرابيل وشأنها
لا آمن لك من مكرها
قد تخطفك مني بليلة غاب عنها قمرها
فهي حبيبتك الأولى وأخاف عليك من حبها
أرجوك دعها وشأنها

قال الملك :-
هل جنت يا بيسان
أتظنين بأني مازلت أحبها ؟؟
أيعقل أن يخطر في بالك يوما أن أخضع يوما لذلها ؟

لا تخافي علي يا بيسان
أنا فقط سأنتقم لنفسي
وسأريك كيف أذلها
مثلما فعلت بي يوما
حين سقتني من ذل كأسها

قالت بيسان :-

إذن خذني معك في معركتك هذه
فأنا لن أتركك لوحدك
سأكون على رأس جندك
سأكون خلفك
أحمي ظهرك
تعلم بأني فارسة
قبل أن أتزوجك

قال الملك :-
حسنا عزيزتي ستكوني معي
في معركة الأنتقام
هيا بنام لننام

وفي صباح أحد الأيام

تحرك الملك بجيش يعد بآلاف من المقاتلين
ومضى غازيا مملكة سرابيل بقلب يحمل حقد دفين

وبجانبه زوجته بيسان
تشد أزره وقلبها يمزقه الخوف والأنين

في الجانب الأخر حيث مملكة سرابيل
ملكة جلست وقد أحاط بها وصيفاتها يقلمن أظافرها
ويمشطن شعرها
ويعطرن جسدها

اووواه ما أجملها
ليتكم تدركون كم الوصف خجولا من وصفها
سرابيل ملكة جمال الأرض كلها

دقائق مضت
لتدخل احد وصيفاتها قائلة :-

سيدتي وزير الحرب عزرائيل

يطلبك في القاعة الملكية مولاتي

قالت سرابيل :-
وزير الحرب !!؟؟
لم يحدث أن فعلها يوما
حسنا اخبريه بأني قادمة


ساعة مضت

لتدخل سرابيل القاعة الملكية الحمراء
وهناك في وسط القاعة كان وزير الحرب عزرائيل
ينحني أمام ملكته حين دخلت بكل شموخ وكبرياء

وبادرته قائلة :-

ماذا هناك أيها الوزير ؟؟

قال الوزير :-

الملك يا سيدتي !

سرابيل :-
أي ملك أيها الوزير..؟

الوزير :-
الفارس الذي كان تحت أمرتك
الذي وقع لدى الملكة بيسان أسير
وتوجته ملكا من بعد أن تزوجته
هذا الذي لم يكن يحلم حتى بلقب أمير

سرابيل :-
ما باله الملك الذي كان فارس أسير ؟؟

الوزير :-
لقد أضمرا شرا
وأتى يجر جيشه جرا
ألآف من فرسانه ورماة سهامة ونبال قد صفهم صفا
وزوجته بيسان خلفه قد كساها درعا
وقلدها سيفا

سيدتي أنه يريد حربا
حربا نحن لسنا ندا له فيها
فهو لن يرضى ألا بخراب ملكك
ونزع التاج من على رأسك
لا استبعد بأنه جاء للانتقام منك
حين رميته رمية الكلاب
يوم أسرته بيسان في معركة خاضها لأجلك

سرابيل :-
أعلن نفير الحرب في الحال
وغدا سأنزل بنفسي لساحة القتال
وسترى كيف سأنتصر في هذه المعركة
دون أن يموت أحدا من الرجال

أنصرف الآن أيها الوزير
وجهز الجيش والفرسان للقتال

وفي مساء أحد أيام شهر نيسان
ألتقي الجمعان


جيش الملكة سرابيل المكون
من بعض العجائز والغلمان


وجيش الملك المدجج بالعتاد والعدة
ويقوده الملك فارس الفرسان


الملك الذي كان يوما تحت
إمرة الملكة التي يواجهها الآن


تقدمت الملكة سرابيل
على فرسها الأبيض


الملجم بلجام من ذهب ومسرج بحرير وزبرجد
وموشى بقلائد من لؤلؤ أبيض


لا يظهر من وجهها سوى عينيها
فقد تلثمت بلثام يخفي وجهها ودرع يحمي صدرها

وعند منصف المسافة ما بينه وبينها

نادت سرابيل :-
أيها الملك .. إني أطلبك لنزال

ومن بين جيوشه خرج الملك بفرسه الأسود
وقد تأهب للقتال
وأخيرا سينتقم منها
ويسقطها بأول ضربة ويجرها أسيرة إلي حيث جيوشه
ثم يشرع في تقتيل جيشها الضعيف في الحال

وحين وصل عندها
و واجهها
وسقطت عيناه في عينها
ارتعش جسده رعشة لم يعرف سرها

قالت له سرابيل :-

سبحان من جعلك ملكا
من بعد أن كنت مجرد فارس

أتذكر بأنك كنت يوما تناديني مولاتي
وبأنك يوما سكرت من قبلاتي
الآن ترفع السيف في وجهي قد كفرت بكل ابتهالاتي؟

 

قال الملك :-

فضلت علي نفسك
ذهبك ومالك وخيولك
حين وقعت أسير في معركة خضتها لأجلك
وخسرتها بسببك

ولم تفاديني بما طلبته منك الملكة بيسان
بادلت الحب نكران
والعطاء حرمان

سرابيل وبحركة مقصودة
أزالت اللثام
فبدا وجهها كبدر التمام
وشفتيها التي تقطر عذوبة
وبراءة الأطفال في وجهها والأيتام

وما بين نحرها ودرعها
بدا جليا واضحا ضياء صدرها
و أنوثة تضج من نفسها بنفسها

ثم اقتربت من الملك تحوم حوله بفرسها
وتذكره كيف يوما صار عندها
حين ألقمته شفتها
وكيف أنه كان مجرد فارس
لا يعرف شيء سوى الدماء ونزفها

ثم ذكرته بأنه أول أنثى يحبها
ويعشقها
وبأن الحب لها ولأجلها
وبأن بيسان مجرد أنثى استغلت الظروف وقتها

مالت نحوه بصدرها
وقالت :-

أتذكر يا فارسي القبلة الأولى في القاعة الحمراء
كيف أسكرتني فجعلتني اشهق حبا

وأتذكر يا حبيبي القبلة الثانية على الأرجوحة في المساء
كيف كانت وكيف بت أشهق عشقا

أنا ابنة الأكرمين
وملكة متوجة على رؤوس العالمين

أتدرك معنى أن تكون حبيبتك أنا ؟
أم تراك من الجاهلين

أفق يا حبيبي من رغبة الانتقام لديك
أنظر حواليك
لن ترى شيء سوى حبا يغشى قلبك وأنا كل ما لديك

أحبك ملكا كما أحببت من قبل فارسا

أتظن بأن هذه التاج الملكي على رأسك هو جل أمرك
أتظن العرش الذي جلست عليه هو عرشك

أسأل قلبك وعقلك
ستدرك وقتها بأن حبي هو تاجك
وأن عشقي هو عرشك وأنا بكلاهما سيدة أمرك

أتنكر بأنك تستلذ بذلي
وبأني مهما صددتك يزيد عشقك لي

أنها فلسفلة الملوك في الحياة أن تكون
عاشق لامرأة تهين قلبك
أن ترى نفسك أنسان
لا ملكا تشرع في الحياة ظلمك

في النهاية أيها الملك أنا قدرك
أنا طقوس حبك وعشقك
أنا ضعفك وذلك
أنا نشوتك في الحياة ورغبتك
أنا سرابيل يا سيدي
حبيبتك وأسطورة عشقك

دقائق طويلة مضت
قبل أن يدرك الملك حقيقة ما قالت

هو لم يخلق ليكون ملكا
فالحب في صدره جعله عبدا

أدار لجام فرسه

وتوجه إلى جيشه
حيث تقف زوجته بيسان

ترجل من فرسه
ومضى إليها
تنظر إليه والخوف في عينيها

وضع التاج في يدها
وفسخ خاتم المُلك من إصبعه وألبسه في أصبعها

ثم قال لها : –

بيسان .. أنت طالق ثلاثا
حرام علي حلال لغيري

لم اخلق لأكون ملكا

بل لحب سرابيل مستعبدا أبديا
من يحب سرابيل لن يحب بعدها
ولن يكون وفيا لسواها

أتنازل عن ملكي وتاجا على رأسي به توجتني
وبكل سلطة منحتني
وبكل قانون على مملكتك شّرعني
أتنازل عن كل شيء لك

أعيدي تنصيب نفسك ملكة على قومك
وأنسي يوما أني كنت زوجك
عودي بجيشك إلى مملكتك
فأنا خائن باسم الحب

بيسان تناظر الملك

ترقرق الدمع في عينيها
وتحجرت الكلمات على باب شفتيها

وأدارت لجام فرسها
ونادت بجيشها
والألم يحطم قلبها

فليعد الجيش أدراجه
هذه المعركة قد انتهت
قد خسر من خسر
وأنتصر من أنتصر

نادته قبل الرحيل :-

أيها الفارس النبيل
موتك سيكون بيد سرابيل
تذكر هذا أيها الفارس النبيل


واختفت مع جيشها

وخلت ساحة القتال من الجيشين

وبقى الفارس الذي كان ملكا
يناظر حبه الأول والأخير

سراااااااااااااااااااااااااابيل

وهي على فرسها تناظره بإعجاب مثير
ودهشة لا حد لها سوى الإعجاب والتقدير

إذ كيف يتنازل رجلا عن لقب الملك
وعزا وجاه وسلطة ومال كثير

ترجلت من فرسها
وإليه يممت المسير

وجه الجميل يحكي الكثير

وضعت يديها على وجهه
ومالت بشفتيها نحــــــوه

فسكر وثمل منها وكادت أن تودي به نحو حتفه

وحين استفاق من لذة نشوته
وضع رأسه على صدرها
وقال لها :-

إن صدقت بيسان فيما قالت
أن موتي بيديك
فأني أريد أن أموت وأنا على صدرك
عديني بهذا حبيبتي سرابيل


ضمته بقوة إليها

وهمست أذنه :-
أحبك أيها الملك الفارس النبيل

دقائق معدودة
غابت الشمس وحل الظلام

شيئا فشيئا بدا جسديهما المتعانقان
يتلاشى تدريجيا إلى أن اختفيا في الظلام

لا اعرف ماذا حدث بعدها

لكن إن أشرقت شمس الغد وبقيت أكتب
و وجدتهما متعانقان
سأكمل لكم الحكاية

من يدري ماذا سيحدث غدا !!

من يدري…؟

 

 

 

 

(( الملك ))