الثلاثاء , أبريل 30 2024

(( عصفورتان وشجرة رمـان ))

 

 


كنت اهم بالذهب للعمل .. جالسا في سيارتي اتأمل عصفورتين فوق شجرة رمان كانت في حديقة قصري .. رأيتهما يتهمسان وينظران إلي .. فحدث ماحدث .. نقلت لكم ما دار بينهما بكل أمانه .

شجرة رمانعصفورتان فوقها تغـردان
قالت إحداهن للأخرى :-
أنت أجمـل مني بكثيـر
عيناك صافيتان كمياه الغدير
و ريشك يحمل من الألوان الكثير

حين بصوتك تصدحين
كل الأرض تُسمعيـن
وتجيدين فـي غنائك التلحين
وأنا محرومة من كل ما تملكين .


قالت صاحبتها لها : –

هذا هو القضاء خلقنا الله كذلك فهو
علينا يهب ما يشاء .

قالت :-
قد مللت ريشي الباهت وصوتي الخافت
كل شيء مللته ! أريد أن أغير نفسي !!
أريد أن أكون إنسان اسرح وامـرح
على رجلين وتكون لي يدين ولسان وشفتين

أريد أن أكون كالملك الجسـور
وتكون لي قصور وحدائق وزهور
وسلطة أسيطر بها على كل الأمور
وحاشية وقانون ودستـور

فكيف السبيل إلى ذلك ؟؟
أخبريني كيف السبيل لأصير كذلك ؟؟

قالت لها :-
لا انصحك أن تفعلي
وعلى حياة الملوك لن تقـــــدري
أتظنين بأن كل ملك حوى السعادة كلها ؟؟
عن قرارك يا صاحبتي اعدلي .

سأدلك على شيء
تذهبين لقصر الملك هناك حيث دولته الزاهية
ومملكته المترامية
ابحثي عن قصره .. ثم تجسسي على سره
وانظري كيف حياته
وكيف في الليل ابتهالاته
وكيف يواري عن الحاشية سوئآته

ترقبيه في الليل ..
حين يتركنه جواريه ويختلي بنفسه مع هما فيه
ويبيت ساجي الطرف وخوف يعتريه
الغدر يخشى أن يأتيه من اقرب الناس إليه.

طارت تلك العصفورة ….
ونحو المملكة البعيدة اتجهت بنفس صبورة
فهي لم تعتد على رحلة كهذه مجهـولة

وصلت أخيرا

يا لا جمال هذا القصر العظيم
قد حوى هذا الملك كل الجاه
كل المال وكل ما هو به عليم .

انزوت العصفورة في ركن من أركان مخدعه
وانتظرت كم قيل لها الليل لترى الملك وتتابعه
تأخر كثيرا ! وهي تقتلع الأمل حينا وتزرعـه
متى يعود الملك ؟ لا أطيق الانتظار أكرهـــه

أخيرا ….. دخل مخدعه

ألقى نفسه على سريره المّذهـب
أطرافه نسجت من خيوط من ذهب
كل شيء في مخدعه من ذهـب
قد أهالها ما رأت من العجـب

رغم كل هذا النعيم
رأت في الملك رجل حزين سقيم
تسللت خيوط قمريه لتسقط على وجهة الملك العظيم
وجه طفولي ؛ عينان كستنائيتان ؛ ويبدو إنسان رحيم

فيما تــراه يحدق ؟؟؟
وما الذي يعكــر صفوه ويقلق ؟؟؟

فجأة
يثور !!!! ينهض من سريره وفي أرجاء مخدعه يدور
يبحث عن شيء مـا ؟؟!!!
يطلبه بإلحاح وثبـور

يفتش بلهفة بيـن أوراقه ..
يتلف بجنونه ولهفته عشرات القصائد
كتبها حين كان فتيـا
حين أضحى للحب يوما سميـا
وحين خانه قلبه بالحب منذ أن كان صبيا

ظل يفتشويفتش
والأوراق تتناثر في كل مكان
واللهفة تحلق به نحو عالم الحب الذي كان .

أخيرا….. وجدها
صورة من أحب قلبه
صورة عشقه وحبه
صورة من أوردته أحواض المنايا
وطهرته يوما من كل الدنايا
أنها صورتها

مضى بتأملها … يضمها حين ويقبلها
يكلمها حين ويخاطبها !

يرتجي منها نطقا فتجيبه صمتـا
يبتسم عمدا فتفرض واقع الجماد فرضا

من تكون تلك التي أســرت من الملك الفؤاد ؟
وحكمت عليـه حياته بالليل سهـاد ؟
وأجبرته على أن يحـب في الليل السـواد ؟
ويشتكي ويلات الهوى ويترك في الحب العناد ؟
ويبكي في الليل أن الشـوق عزف لحن البعاد

هذه هو الإنسان أذن ؟؟؟؟
وهذا هو الملك الذي تمنيت مثله أكون ؟
لالالالا !!! لن أكون !!! هكذا لا أريد أن أكون

فلأعد أدراجي إلى وطنـي
قد كفاني ما رأيت من جنون

هناك حيث شجرة الرمـان
تلاقوا من جديد العصفورتان
فقالت لها :-
يا صاحبتي قد عاينت حياة الإنسان
واقتربت من ملك ذاك الزمان
فرأيت الملك قد صار عاشق ولهان
وان ملكه قد أهتز بقوة بركان

 

يا صاحبتي :-
الحب رسم على وجه لوحة بؤس أتقنها كفنان .


لا أريد أن أكون إنسان
دعينا نبقى عصفورتين لا تفارقان شجرة الرمان
فصدحا يغردان ونحو السماء ينظران
بكل وجل وامتنان الله تعالى يشكران
فهما لنعم الله لا يجحـدان
لا يجحد إلا الإنسان … الإنسان
.

 

 

 

 

 

(( الملك ))