(( كـــش مــــات ))

 


من الناس من ينتصر بالجريمة ومنهم من تخذله الفضيلة

قاعة حمراء
ليلة ظلماء
شموع سوداء
تضيء تلك الأجواء

صوت الملك يقول :


أيها الحاجب .. من التالية ؟؟؟

الحاجب –:

 

سيدي الملك هناك أميرة واحدة
أظنها كغيرها خاسرة
هل ادخلها أم أرجئها للغد سيدي؟

الملك 

ادخلها .. فلا أشعر برغبة في الكرى
وسنرى
الملك أم أميرة حملتها إليها آمال الانتصار
وهي تعلم بأنها قريبا ستصير إلى انكسار
وبأني سأعبث بها على رقعة الشطرنج واقتل ملكها ببيدق كاحتقار
نادها أيها الحاجب لأحتفل هذا المساء بالانتصار

الحاجب : الأميرة سرابيل


تتقدم أميرة الحسن والبهاء
حسناء ساحرة شقراء
تلبس الذهب وياقوت ودر ثمين
وتاج على رأسها يبرق فيخطف نظر العين
جسدها الممشوق يستره فستان وعليه معطفا ثمين
كل شيء من جسدها غاب فلا يبين

تنحني وبأدب جم تقول -:


السلام عليك سيدي الملك
قد سمعت أنك تقارع الأميرات في لعبة الشطرنج
وتزهو دوما بالانتصارات

فلم تبقى أميرة إلا وقد هزمتها
وصادرت تاجها
وقيل لي أيضا أنك تشرع في ذلها
وتحتقر حتى ظلها

فأحببت أن اجرب حظي
فالذكاء خصلة مني
وهو من كمال حسني


الملك يشير إليها بالجلوس

تجلس الأميرة
والملك ينتظر إليها بصمت وحيرة


يقول لنفسه :


لماذا هي واثقة
وكأنها متأكدة بأنها ستهزمني وتنهي أسطورتي الخالدة


تفاجئه الأميرة قائله :

ما بال سيدي الملك ينظر إلي بصمت وحيرة
أتراه يراني كيف كفئ له أم في الأمر حيلة ؟


الملك

لا هذا ولا ذاك أيتها الأميرة
أخبريني أتعرفين شروط اللعبة ؟؟
إن هزمتك أصادر تاجك
ويحق لي كل شي فيك
قد أسبيك
قد أبليك
قد أنفيك
قد تبقين ابد الدهر جارية عندي
تحت لوائي وأمري
قد تفقدين الأمارة وكل عزك وجاهك و ….

 


تفاجئه الأميرة قائلة :

وماذا إن هزمتك سيدي ؟؟ ما المقابل الذي ستدفعه ؟؟


يغضب
يحمر لونه
يقبض يده

ثم يهدأ رويدا رويدا

دقائق قليلة ثم يكسر الصمت الملك قائلا:

ماذا قلت ؟؟ لم أسمعك ؟؟

الأميرة :
أن هزمتك سيدي الملك ! ما المقابل الذي ستدفعه ؟؟

يالها من أنثى جريئة واكثر من ذلك أنها متفائلة

بسخرية قال لها :

متفائلة أنت أيتها الأميرة

أجابت :
بل اكثر من ذلك ورقعة الشطرنج ستكون المعركة الأخيرة .

يؤتى برقعة شطرنج كرستالية
أحجارها ذهبية وفضية
توضع على طاولة عاجية

فوقها كأسين نصف ممتلئين
من شراب التوت الفاخر

يخيرها الملك قائلاً :

ماذا تختارين ؟ الذهب أم الفضة به تلعبين ؟

أجابت :
الذهب سيدي فأنا اعشقه منذ سنين

يعاكس اختيارها قائلا :
إذن العبي بالفضة ولا تجادلين

في نفسها قالت الأميرة :
(هكذا إذن تحاول أن تحطمني منذ البداية)

ويبدأ اللعب

الملك يحرك بيدقين
وتحرك الأميرة بيدقين

وهكذا بدأ اللعب
مع إعلان الساعة الثانية بعد منتصف الليل

ويستمر اللعب

يهجم الملك بوزير وقلعتين وحصانيـــــن
وتدافع الأميرة بحصانين و وزيرا وفيلين

ويحتدم القتال
والصمت هو لسان الحال
ويكر الملك ويفر
وهي تناور بذكاء ولا تتوارى تحت ظل

وحين أدركت بأنها قد حوصرت
وبأنها على وشك أن تخسر

ناورت

قالت :
اشعر بالحر
بعد إذن سيدي الملك سأتخلص من معطفي
وانثر شعري على كتفي


ودون أن يأذن لها
تخلع معطفها
وتنثر شعرها على كتفها

وتبدأ معركة أخرى غير تلك التي على رقعة الشطرنج
معركة الصمود أمام هجوم كاسح يتجلى في سحر الأميرة سرابيل

ويستأنف اللعب

نظرات الملك أصبحت تائه
تارة على الرقعــــــة
وتارة على تلك البقعة

نظرة هنا ونظرة هناك
تتداخل النظرات
وتكثر العثرات
وتصهل التنهدات

وتكثر الأخطاء في الحركات و النقلات
والنظرات ما عاد يقدر أن يلجمها
نحو صدر أنثى له منها الويلات

أدركت بأنه قد وقع
أسير سحر عنه الغطاء قد رفـُع

فتمادت في غنجها وتمايلها وابتسمت
ونظرات عين حور عينه منها قد ثملت

فقد الوزير
وقريبا الحصانين أمرهما كذلك سيصير
وهو لا يشعر بما حوله وبأن الملك على رقعة الشطرنج يستجير

فجأة !!
تنقل نقلة ولسان حالها يقول :

((((( كش مات )))))

ينتبه الملك فجأة ينظر إليها بحيرة قائلاً
ماذا تقولين أنت ؟؟
أين كش مات ؟؟
كيف مات ؟؟

ببرود تقول لها :
انظر إلى رقعة الشطرنج سيدي
ملكك سيموت
قد طوقه وزيري وفيلي
وهناك ينتظره حصاني
ليس لديك خيار أخر سيدي قد مات ملكك
وانتهت اللعبة


ينظر إلى رقعة الشطرنج
فعلا لقد انتهى الأمر
لقد مات الملك
وهزمته الأميرة .

في ظل فرحها ونشوة الانتصار نسيت نفسها وما حولها

خِلسة َ
دس لها الملك سُماً زعافاً في شرابها
في كأسها الذي بجانبها


ثم قال لها الملك :
مبروك عليك الانتصار أيتها الأميرة
هي اشربي نخب انتصارك
وسأشرب أنا نخب هزيمتي

 



تأخذ الكأس بيدها
فرحة بما حولها
لا تدري أن فيه موتها
وكيف لا ؟؟ وقد اعترف لها الملك بانتصارها

ترتشف منه جرعتين متتابعتين ثم تقول :
قد هزمتك أيها الملك الجليل
وهذا ليس علي بمستحيل

و..

فجأة ..!!

تتوقف عن الكلام
تشعر بأمعائها تتقطع من الآلام
تنظر إلى الكأس تارة والى الملك تارة
أدركت أخيرا بأنها ميتة لا محالة

بصعوبة قالت وهي في لحظات الاحتضار :

لماذا فعلت هذا أيها الملك ؟؟

أجابها بجمود :
لأنك لم تهزميني على رقعة الشطرنج فقط
بل لقد هزمتٍ قلبي وسلبتٍ فكري وعقلي
لقد شعرت بحبك يسري في دمي
وعشقك يحطم عظامي
وثارت بي رغباتي ومالت بي آهاتي وزفراتي
لأني أحببتك من كل قلبي
ومن أول نظرة من عيني
وهذا لا يجب أن يكون
أنا الملك الذي لا يجب أن يكون
مثل أي رجل مجنون
يحب ويعشق ويبات مبتل الجفون

حشرجة تصدر من الأميرة ثم تقول له:
سحقا لرجلاً مثلك


ثم تلفظ انفاسها بين يدي الملك

بحركة سريعة


يدير الملك رقعة الشطرنج ليصبح لعبها نحوه
ولعبه هو نحوها ليبدو لمن يرى رقعة الشطرنج
بأن الملك هو المنتصر .

ثم ينادي الحاجب :
أيها الحاجب

يدخل الحاجب
يرى الأميرة جثة هامدة على الأريكة الحمراء

يصعق
بخوف وذهول يقول :
ما الذي حدث سيدي الملك ؟؟

يجيبها الملك :
لم تتحمل الهزيمة فقد ماتت مصدومة لأني هزمتها
انظر بنفسك أيها الحاجب إلى رقعة الشطرنج

ينظر الحاجب إلى رقعة الشطرنج
ويرى أن الملك على رقعة الشطرنج المقابل للأميرة
قد تم قتله بكش مات

أيها الحاجب ؟؟؟

نعم سيدي الملك ؟؟

احمل الأميرة وألقى بها خارج القصر
أو
ادفنها في حديقة القصر سيكون افضل

يغادر الملك القاعة لينام في مخدعه

يحمل الحاجب الأميرة سرابيل
ويختفي في ظلام حديقة القصر

وينتهي الأمر وكأنه لم يكن .

(( الملك ))