أَرّوَعْ مَا فِيْ الْوُجُوْدِ
أَنَّ اسْتَيْقَظَ صَبَاحْ كُلُّ يَوْمَ وَاسْتَنْشَقَ ذَاكَ الْهَوَاءُ
الَّذِيْ يَحْمِلُ رَائِحَةُ الْيَاسَمِيْنْ
مِنْ حَدِيْقَةِ جَارَتِنَا الْحَسْنَاءُ كَسْتِنَاءِ
سُمِعَتْ ذَاتَ مَسَاءٍ
أَنَّهَا تَعْتَنِيْ بِتِلْكَ الْزُّهُوْرِ كُلِّ الِاعْتِنَاءِ
وَتَبْكِيْ إِنَّ أَمْطَرَتْ بِغَزَارَةِ الْسَّمَاءِ
تَخَافُ أَنْ يَمَسَّهَا سُوَءٍ إِنْ هَبَّتْ عَاصِفَةَ هَوْجَاءِ
مَا ارْحَمَ قَلْبِهَا عَلَىَ الْزُّهُوْرِ هَذِهِ الْحَسْنَاءِ
كَمْ تَمَنَّيْتُ أَنْ تَعْشَقُنِّيْ
هَكَذَا حُدِّثْتَ نَفْسِيْ ذَاتَ مَسَاءٍ
لَكِنِّيْ بَدَّدَتْ أُمْنِيَّتِيْ تِلْكَ
حِيْنَ تَذَكَّرْتُ الْمَاضِيْ فِيْ حُبّ الْنِّسَاءِ
لَمْ يَكُنْ أَيَّ شَيْ ذُوْ مَعْنَىً هَذَا الْمَسَاءْ
فَالهَوَاءُ هُوَ الْهَوَاءُ
وَالْنَّاسِ هُمْ الْنَّاسَ
أَصْدِقَاءْ
وَأَعْدَاءُ
وَرَهْطٌ مِنْ الْغُرَبَاءِ
الْقَمَرَ بَدْرا فِيْ هَذَا الْمَسَاءِ
أَلْهِمْنِيْ بَعْضٍ الْمَشَاعِرِ
الَّتِيْ اغْتَسَلَتْ بِبَعْضٍ الْدِّمَاءَ
دِمَاءَ رَاكِدَةً فِيْ بَهْوِ قَلْبِ أَتْعَبَهُ الْشَّقَاءِ
إِنِّيَ لَأَعْجَبُ كَيْفَ أَحْيَا
بِلَا دِمَاءَ تَجْرِيَ فِيْ جَسَدِيْ الْمُنْهَكِ مِنْ الْعَنَاءُ
كَيْفَ أَصْبَحْتَ مَيْتَا هَكَذَا دُوْنَ شُعُورٍ
آَوٍ غَرَامٍ يُدَاعِبُ مُخَيِّلَتِيْ
الَّتِيْ كَانَتْ ثَرِيَّةٌ بِالْمُجَوَّنِ فِيْ حُبّ الْنِّسَاءِ
فَتَحَتْ نَافِذَةَ غُرِفِتِيٌ لِأَسْتَنْشِقَ عَبَقُ الْيَاسَمِيْنْ
الْأَتْيَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْقَةِ جَارَتِنَا الْحَسْنَاءُ
فَإِذَا بِيَ أَرَاهَا تُشَذِّبُ بَعْضٍ الْزُّهُوْرِ
كَانَتْ جَمِيْلَةً جِدّا لِدَرَجِة إِنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيَّ الْأُمُوْرِ
فَلَمْ اعْرَفْ هَلْ أَنَّ مَفْتُوْنٌ بِهَا أَمْ أَغَرَانَيْ جَمَالِ الْزُّهُوْرِ
أَلْتَفَتَتِ إِلَيَّ فَجْأَةً وَأَنَا فِيْ سَكْرَةِ جَمَالِهَا مَأْسُورٌ
فِرَمْتَنِيّ بِابْتِسَامَةُ ظَنَنْتُ أَنَّ الْأَرْضِ مِنْ تَحْتِيْ تَدُوْرُ
كَانَتْ أَجْمَلَ ابْتِسَامَةْ ارْتَسَمَتْ عَلَىَ كُلِّ الْثُّغُوْرِ
فَبادِلْتِهَا الابْتِسَامَةُ بِمِثْلِهَا وَ قَلْبِيْ يُجَنُّ إِلَيْهَا وَ يَثُوْرُ
قَبْلَ أَنْ أَتَدَارَكُ نَفْسِيْ قَائِلَا :-
أَنَّهَا أُنْثَىْ لَنْ تَخْتَلِفَ عَنْ سِوَاهُ بِاخْتِلَافِ الْعُصُورِ
لَنْ أُغَامِرْ بِقَلْبِيْ الْمُثْخَنَ بِجِرَاحِ الْغَدْرِ مُرَّةَ أُخْرَىَ
يَكْفِيَ مَا بِهِ مِنْ كُسُوْرٍ
أَغْلَقَتْ نَافِذَةَ غُرِفِتِيٌ
وَاضِعا حَدَّ لِمَشَاعِرٍ فِيْ جَسَدِيْ تَغُورُ
كَمْ اشْتَاقَ لِأَنَّ أَحَبَّ مِنْ جَدِيْدٍ
احْتَاجَ لِأُنْثَى تَصْهَرُ مَا بِيَ مِنْ جَلِيْدْ
فِيْ الْصَّبَاحِ
فُتِحَتْ نَافِذَتِيْ
فَإِذَا بِيَ أَجِدُ زَهْرَةٌ حَمْرَاءُ وُضِعَتْ عِنْدَهَا
وَ وَرَقَةٍ مَكْتُوْبٌ عَلَيْهَا
(أَحَبُّ أَنَّ تَرَانِيْ كُلَ يَوْمَ لَكِنِّيْ أُحِبُّ اقْتِرَابُكِ أَكْثَرَ)
لَمْ اتَعَبْ نَفْسِيْ فِيْ الْبَحْثِ عَنْ مَّنْ كُتِبَ لِيَ هَذَا الْجُمْلَةِ
كَسْتِنَاءِ مِنْ تُحِبُّنِيْ وَعَلَيَّ أَنْ أَحَبُّهَا أَكْثَرَ
دَقَائِقَ مَضَتْ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ
وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ أَلْقَتِ عَلَيْهِ الْنَّظَرُ
كَانَتْ تَلْبَسُ فُسْتَانٌ احْمَرَّ
يَزِيْدُ مِنْ أُنُوْثَتِهَا فِتْنَةٌ أَكْثَرَ وَأَكْثَرُ
بِخَجَلٍ شَدِيْدُ
أَشَاحَتْ بِنَظَرِهَا عَنِّيْ
فَاعْتِرَافِهَا بِالْحُبِّ جَعَلَهَا
خَجَوُّلَةُ مِنْ أَنْ تُبَادِلُنِيْ الْنَّظَرَاتِ مِنْ بَعِيْدٍ
عَلَىَ عَجَلٍ كُتِبَتْ جُمْلَةِ عَلَىَ وَرَقَةٍ بَيْضَاءْ
وَلَفَفْتُهَا بِعُوْدٍ الْزَّهْرَةِ الْحَمْرَاءِ
وَطَوَّحَتْ بِهَا فِيْ الْهَوَاءِ
لِتُسْقِطَ عِنْدَ قَدَمَيْ كَسْتِنَاءِ
الَّتِيْ سَارَعْتُ بِالتِقَاطُهَا بِخَوْفٍ مِنْ عِيُوُنْ الْرُّقَبَاءِ
فَقَرَأْتُ فِيْهَا
( الْحُبِّ كَالْحَيَاةِ حِيْنَ يَأْتِيَ وَكَالْمَوْتِ حِيْنَ يَذْهَبُ )
وَحِيْنَ أَلْتَفَتَتِ إِلَىَ نَافِذَةٍ غُرِفِتِيٌ
لَمْ تَجِدْنِيْ فَأَنَا انْسَحَبْتُ بِهُدُوْءٍ أُصَارِعُ رَغْبَتِيْ
رَغْبَةِ الْحُبٌّ الَّتِيْ تَوَارَتْ خَلْفَ سُيُوْلُ دَمْعَتِيْ
فَالَحُبُّ كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَضَاعَ سِنِيْنَ عُمْرِيّ
وَأُخَرُ مِسْمَارٍ دُقَّ فِيْ نَعْشٍ كَرَامَتِيَ
مَنْ يَدْرِيَ
كَسْتِنَاءِ قَدْ تَأْتِيَ يَوْمَا بِقِصَّةِ حَبِّ فَرِيْدَةٌ
الْوَفَاءِ فِيْهَا أَسَاسُ كُلِّ شَيْءٍ
لَا اسْطُرٍ تَمْلَئُ فَرَاغَ جَرِيْدَةُ
فَأَنَا أَصْبَحْتُ أَكْثَرَ إِدْرَاكَا
بِأَنَّ الْحُبَّ لَيْسَ شِعْرٌ أَوْ قَصِيْدَةٌ
سَأَنْتَظِرُ
فَالَأَرْضُ عَادَةً تَنْتَظِرُ الْأَمْطَارُ فِيْ الْشِّتَاءِ
لَكِنِ هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ بِأَنْ الْأَرْضِ تَكْفُرْ بِفُصُولٍ الْسُنَّةِ الْأُخْرَى
جَاحِدَةٌ بِرَحْمَةٍ رَبِّ الْسَّمَاءِ
كَمْ أُمْطِرَتْ الْسَّمَاءِ صَيْفَا هَذَا مَا يُقَالُ عِنْدَهُ اسْتِثْنَاءِ
رُبَّمَا تُمْطِرُ قَرِيْبا
فَقَدْ تَأَخَّرَ كَثِيْرَا فَصَلِّ الْشِّتَاءِ
(( الْمَلِكُ ))